فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ} هذا الجارُّ والمَجْرُور في محلِّ رَفْع صَفَةٍ لـ «رَجُلاَن»، ومَفْعُول {يَخَافُونَ} محذوفٌ تَقْدِيرُهُ: «يَخَافُون الله»، أو يخافُون العَدُوّ [ولكن ثَبَّتَهُمَا اللَّهُ تعالى] بالإيمَان والثِّقَةِ به، حتى قَالُوا هَذِه المَقَالة، ويُؤيِّد التَّقْدير الأوَّل التَّصْرِيح بالمَفْعُول في قِرَاءة ابْن مَسْعُود «يَخَافُون اللَّه»، وهذان [التَّأوِيلاَن] بِنَاء على ما هُوَ المَشْهُور عِنْد الجُمْهُور، من كَوْنِ الرَّجُلَين القَائِلَيْن ذلك من قَوْمِ موسى، وهما: يُوشَعُ بن نُون بن أفرائيم بن يُوسُف فتى مُوسَى، والآخَر: كَالِب بن يوفنا خَتَنُ مُوسَى على أخْتِه مَرْيَم بِنْت عِمْران، وكان من سِبْط يَهُوذَا.
وقيل: الرَّجُلان من الجَبَّارين، ولكن أنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِما بالإيمَانِ حَتَّى قَالاَ هذه المقَالَة يُحَرِّضُونَهُم على قَوْمِهِم لِمُعَادَاتِهِم لهم في الدِّينِ وعلى هذا القَوْل فَيُحْتَمَل أن يكون المَفْعُولُ {يَخَافُون} كما تقدَّم، أي: يَخَافُون اللَّه أو العَدو، والمعنى كما تقدَّم ويُحْتَمَل أنَّ في المَفْعُول ضَمِيرًا عَائِدًا على المَوْصُولِ، ويكون الضَّمِير المَرْفُوع في {يَخَافُون} ضَمِير بَنِي إسْرَائيل، فالتَّقْدير: [من] الَّذِين يَخَافُهُمْ بُنُوا إسْرَائِيل.
وأيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ هذا التَّأوِيل بِقرَاءة مَنْ قرأ {يُخافون} مَبْنِيًّا للمَفْعُول [وبِقَوْلِه أيْضًا] {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا}، فإنَّه قال: «وقراءة مَنْ قَرأ {يُخَافُون} بالضَّمِّ شاهدة له، ولذلك أنْعَم الله عَلَيْهِما، كأنَّه قيل: من المُخَوفين» انتهى.
والقِرَاءةُ المَذْكُورة مَرْوِيَّة عن ابْن عبَّاسٍ، وابن جُبَيْر، ومُجاهد، وأبدى الزَّمَخْشَرِي- أيضًا- في هذه القِرَاءة احْتِمَالًا آخَر، وهو أن تكُون من الإضَافَةِ ومعناه: من الَّذين يَخُوَّفُون من اللَّه بالتَّذْكِرة والمَوْعِظَة، أو يُخَوِّفهم وَعِيد الله بالعقَابِ.
وتَحْتَمِلُ القِرَاءةُ- أيضًا- وجْهًا آخَر، وهو: أن يكُون المَعْنَى: يُخَافون، أي: يُهَابُون [ويُوَقَّرُون، ويُرْجَعُ] إليهم لِفَضْلِهِم وخَيْرِهِم.
ومع هَذَيْن الاحْتِمَالين الأخِيرَيْن، فلا تَرْجِيحَ في هذه القراءة لِكَون الرَّجُلَيْن من الجبَّارين [أما قوله كذلك: {أنعم الله عليهما}، أي: في كونه مرجّحًا أيضًا لكونهما من الجبارين] فَغَيْرُ ظاهر، لكون هذه الصِّفَة مُشْتَرَكَة بَيْن يُوشَع وكالب، وبين غيرهما مِمَّن أنْعَمَ اللَّهُ عليه.
قوله: {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} في هذه الجُمْلَة خَمْسَة أوجُه:
أظهرها: أنَّها صِفةٌ ثانية فمحَلُّها الرَّفْع، وجيءَ هنا بِأفْصَحِ الاسْتِعْمَالَيْنِ من كونه قدَّمَ الوَصْفَ بالجَارِّ على الوَصْفِ بالجُمْلَةِ لِقُرْبِهِ من المُفْرَد.
والثاني: أنها مُعْتَرَضَةٌ وهو- أيضًا- ظَاهِر.
الثالث: أنَّهَا حالٌ من الضَّمِير في {يَخَافُون} قال مَكِّي.
الرابع: أنَّها حالٌ من {رَجُلانِ}، وجاءت الحالُ من النَّكِرَة، لأنَّها تخصّصت بالوَصْف.
الخامس: أنَّها حال من الضَّمِير المُسْتَتِر في الجَارِّ والمَجْرُور، وهو {مِن الَّذِين} لوُقُوعِهِ صِفَةً لموصُوف، وإذا جَعَلْتَها حَالًا فلابد من إضمار «قَدْ» مع المَاضِي، على خلافٍ سلف في المسألة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (24):

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{قالوا} معرضين عمن خاطباهم غيرعادين لهما {يا موسى} وأكدوا نفيهم للإقدام عليهم بقولهم: {إنا} وعظموا تأكيدهم بقولهم: {لن ندخلها} وزادوه تأكيدًا بقولهم: {أبدًا} وقيدوا ذلك بقولهم: {ما داموا} أي الجبابرة {فيها} أي لهم اليد عليها، ثم اتبعوه بما يدل على أنهم في غاية الجهل بالله الفعال لما يريد.
الغني عن جميع العبيد، فقالوا مسببين عن نفيهم ذلك قولهم: {فاذهب أنت وربك} أي المحسن إليك، فلم يذكروا أنه أحسن إليهم كثافة طباع وغلظ أكباد، بل خصوه بالإحسان، وهذا القول إن لم يكن قائلوه يعتقدون التجسيم فهم مشارفون له، وكذلك أمثاله، وكان اليهود الآن عريقين في التجسيم، ثم سببوا عن الذهاب قولهم: {فقاتلا} ثم استأنفوا قولهم مؤكدين لأن من له طبع سليم وعقل مستقيم لا يصدق أن أحدًا يتخلف عن أمر الله لاسيما إن كان بمشافهة الرسول: {إنا هاهنا} أي خاصة {قاعدون} أي لا نذهب معكما، فكان فعلهم فعل من يريد السعادة بمجرد ادعاء الإيمان من غير تصديق له بامتحان بفعل ما يدل على الإيقان؛ روى البخاري في المغازي والتفسير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قال المقداد بن عمرو يوم بدر: يا رسول الله! لا نقول كما قال قوم موسى: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن امض ونحن معك، نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرَّه» فكأنه قيل: فما قال موسى عليه السلام؟ فقيل: {قال} لما أيس منهم معرضًا عنهم شاكيًا إلى الله تعالى: {رب} أي أيها المحسن إليّ.
ولما كان من حق الرسول أن يقيه كل أحد بنفسه وولده فكيف بما دون ذلك، فكان لا يصدق أحد أن أتباعه لا يطيعونه، جرى على طبع البشر وإن كان يخاطب علام الغيوب قال مؤكدًا: {إني} ولما فهم من أمر الرجلين لهم بالدخول أنهما قيّدا دخولهما بدخول الجماعة، خص في قوله: {لا أملك إلا نفسي وأخي}. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُواْ} غير مبالين بهما وبمقالتهما مخاطبين لموسى عليه السلام إظهارًا لإصرارهم على القول الأول وتصريحًا بمخالفتهم له عليه السلام {يا موسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا} أي أرض الجبابرة فضلًا عن الدخول عليهم وهم في بلدهم {أَبَدًا} أي دهرًا طويلًا، أو فيما يستقبل من الزمان كله {مَّا دَامُواْ فِيهَا} أي في تلك الأرض، وهو بدل من {أَبَدًا} بدل البعض؛ وقيل: بدل الكل من الكل، أو عطف بيان لوقوعه بين النكرتين؛ ومثله في الابدال قوله:
وأكرم أخاك الدهر ما دمتما معا ** كفى بالممات فرقة وتنائيا

فإن قوله: «ما دمتما» بدل من الدهر. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} وجوه:
الأول: لعلّ القوم كانوا مجسمة، وكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى.
الثاني: يحتمل أن لا يكون المراد حقيقة الذهاب بل هو كما يقال: كلمته فذهب يجيبني، يعني يريد أن يجيبني، فكأنهم قالوا: كن أنت وربك مريدين لقتالهم، والثالث: التقدير: اذهب أنت وربك معين لك بزعمك فأضمر خبر الابتداء.
فإن قيل: إذا أضمرنا الخبر فكيف يجعل قوله: {فَقَاتِلا} خبرًا أيضًا؟
قلنا: لا يمتنع خبر بعد خبر، والرابع: المراد بقوله: {وَرَبُّكَ} أخوه هارون، وسموه ربًا لأنه كان أكبر من موسى.
قال المفسرون: قولهم {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} إن قالوه على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن قالوه على وجه التمرد عن الطاعة فهو فسق، ولقد فسقوا بهذا الكلام بدليل قوله تعالى في هذه القصة: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين} [المائدة: 26] والمقصود من هذه القصة شرح خلاف هؤلاء اليهود وشدة بغضهم وغلوهم في المنازعة مع أنبياء الله تعالى منذ كانوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قالوا لموسى: {إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا} وهذا عِناد وحَيْد عن القتال، وإياس من النصر.
ثم جهلوا صفة الربّ تبارك وتعالى فقالوا: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ} وصفوه بالذهاب والانتقال، والله متعالى عن ذلك.
وهذا يدل على أنهم كانوا مُشَبِّهة؛ وهو معنى قول الحسن؛ لأنه قال: هو كفر منهم بالله، وهو الأظهر في معنى هذا الكلام.
وقيل: أي إن نصرة ربك لك أحق من نصرتنا، وقتاله معك إن كنت رسوله أولى من قتالنا؛ فعلى هذا يكون ذلك منهم كفر؛ لأنهم شَكُّوا في رسالته.
وقيل المعنى: اذهب أنت فقاتل ولْيُعِنك ربّك.
وقيل: أرادوا بالرب هارون؛ وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه.
وبالجملة فقد فسقوا بقولهم؛ لقوله تعالى: {فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين} أي لا تحزن عليهم.
{إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أي لا نبرح ولا نقاتل.
ويجوز {قَاعِدُونَ} على الحال؛ لأن الكلام قد تمّ قبله. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} هذه عبارة تقتضي كفرًا، وذهب بعض الناس إلى أن المعنى اذهب أنت وربك يعينك وأن الكلام معصية لا كفر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقولهم {فقاتلا} يقطع بهذا التأويل، وذكر النقاش عن بعض المفسرين أن المراد بالرب هنا هارون لأنه كان اسنّ من «موسى» وكان معظمًا في بني إسرائيل محببًا لسعة خلقه ورحب صدره، فكأنهم قالوا اذهب انت وكبيرك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل بعيد، وهارون إنما كان وزيرًا لموسى وتابعًا له في معنى الرسالة، ولكنه تأويل يخلص بني إسرائيل من الكفر، وذكر الطبري عن قتادة أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عزم على قتال قريش في عام الحديبية، جمع العسكر وكلم الناس في ذلك فقال له المقداد بن الأسود: لسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون} لكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون وذكر النقاش أن الأنصار قالت هذه المقالة للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وجميع هذا وهم، غلط قتادة رحمه الله في وقت النازلة، وغلط النقاش في قائل المقالة، والكلام إنما وقع في غزوة بدر حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذفران فكلم الناس وقال لهم: أشيروا عليَّ أيها الناس، فقال له المقداد هذه المقالة في كلام طويل، ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره، ثم تكلم من الأنصار سعد بن معاذ بنحو هذا المعنى ولكن سبقه المقداد إلى التمثيل بالآية.
قال القاضي أبو محمد: وتمثل المقداد بها وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك يقتضي أن الرب إنما أريد به الله تعالى، ويونس أيضًا في إيمان بني إسرائيل، لأن المقداد قد قال: اذهب أنت وربك فقاتلا، وليس لكلامه معنى إلا أن الله تعالى يعينك ويقاتل معك ملائكته ونصره فعسى أن بني إسرائيل أرادت ذلك، أي اذهب أنت ويخرجهم الله بنصره وقدرته من المدينة وحينئذ ندخلها، لكن قبحت عبارتهم لاقتران النكول بها، وحسنت عبارة المقداد لاقتران الطاعة والإقدام بها. اهـ.